إن إسرائيل لا تسعى إلا لصالحها بغض النظر عما قد يصيب الآخرين من ضرر، بينما لم نغفل نحن قط عن مسئولياتنا القومية والدولية

إن إسرائيل لا تسعى إلا لصالحها بغض النظر عما قد يصيب الآخرين من ضرر، بينما لم نغفل نحن قط عن مسئولياتنا القومية والدولية

سؤال من المحاور: ما رأى سيادتكم فى المخاوف التى تبديها إسرائيل من أن الاتفاق بين مصر وبريطانيا بشأن الجلاء عن منطقة قناة السويس والمساعدة الأمريكية المقترحة؛ تنطوى على تهديد لإسرائيل؟

الرئيس ناصر: أعتقد أن مخاوف إسرائيل مفتعلة، وهى تهدف فى الغالب إلى الحصول على مزيد من المال من الحكومة الأمريكية، ومن الشعب الأمريكى، ومن جميع أرجاء العالم. أما عن الاتفاق المصرى - البريطانى فسوف يزيل إحدى العقبات الكبرى التى تحول دون تحسن العلاقات بين الغرب والبلاد العربية. إن إسرائيل من الأنانية حتى لتعتقد أن تفكير الناس جميعاً ينصرف إليها، وإن لدينا من الأمور ما هو أعظم شأناً، والاتفاق المصرى - البريطانى ليس إلا مظهراً من مظاهر التنمية الإنشائية فى مصر.

يبدو أن إسرائيل، لسوء الحظ، تشاطر الشيوعيين موقفهم - عن قصد أو غير قصد - حينما تسعى للحيلولة دون الوصول إلى تسوية سلمية لمشكلة منطقة قناة السويس التى دامت ٧٢ عاماً، فقد عقد الشيوعيون والصهيونيون عزمهم على تعطيل التسوية السلمية؛ ذلك لأن نشوء اضطرابات فى العالم العربى لا يخدم إلا العناصر الهدامة، وهذه الرغبة فى خلق القلاقل والاضطرابات فى العالم العربى لتؤيد ما ذكرته من قبل من أن الصهيونيين يخدمون الشيوعيين فى محاولاتهم إحداث القلاقل، واعتراض طريق تحسن العلاقات بين الغرب والدول العربية.

سؤال من المحاور: هل ترون سيادتكم فى الجهود التى يقوم بها الصاغ صلاح سالم فى الوقت الحاضر لدعم قوى العالم العربى العسكرية أثراً على إسرائيل؟

الرئيس ناصر: لم تقتصر جهود الصاغ صلاح سالم فى العالم العربى على تعزيز قوى العرب العسكرية فحسب؛ فنحن نسعى إلى تقوية علاقاتنا كافة بالبلاد العربية، فضلاً عن تنسيق مشروعاتنا الدفاعية، وعلى ذلك فاهتمامنا ينصرف إلى الدفاع وليس إلى العدوان، ومن أعظم ما نهتم به من أهداف إقرار السلام، وتوفير الرخاء فى هذه المنطقة، كما نهتم بتثبيط كل عدوان.

ولقد توافرت الأدلة لدى الرأى العام العالمى أخيراً على أن إسرائيل - وليس العرب - تنتهج سياسة مرسومة قوامها الغارات الإرهابية التى تشنها على القرى العربية.

سؤال من المحاور: جاء فى تصريح لسيادتكم أخيراً أن إسرائيل تشطر العالم العربى شطرين، فهل لكم أن توضحوا ما إذا كنتم تدبرون حلاً لهذا الموقف؟ وما طبيعة هذا الحل؟

الرئيس ناصر: لقد قطعت إسرائيل كل المواصلات البرية بين مصر والدول العربية شرقى السويس، ونحن نعتقد أنه ينبغى لمصر وللبلاد العربية أن تحصل على هذه المواصلات البرية الحيوية لتجارتها ورخائها ومشروعاتها الدفاعية. أما وقد أدرك الجميع أن الدفاع عن هذه المنطقة يقع على كاهل شعوبها أولاً؛ فقد تجلت أهمية إنشاء هذه المواصلات البرية بين مصر والبلاد العربية لصالح الدفاع عن الشرق الأوسط.

ومن الجلى أن العرب سيواصلون دعم مشروعاتهم الدفاعية بغض النظر عن إسرائيل. ولقد احتلت إسرائيل المنطقة الواقعة جنوبى فلسطين، والممتدة حتى خليج العقبة؛ بالرغم من أن الأمم المتحدة والدول العربية لم تعترف بأن لإسرائيل حقاً فى هذه المنطقة. وهذا الاحتلال انتهاك صارخ لاتفاقية الهدنة، واستمراره تحدٍ لسلطة الأمم المتحدة. ولست أدرى حلاً عاجلاً لهذا الموقف إلا إذا أرغم الرأى العام العالمى أو الضغط الدولى إسرائيل على أن تتخلى عن هذه المنطقة؛ التى لم تنلها بناءً على مشروع للتقسيم، أو وفقاً لأى شرط من شروط الهدنة؛ وإنما اغتصبتها منتهكة بذلك هذه الاتفاقية.

سؤال من المحاور: هل ترون أنه من الممكن عقد صلح بين مصر وإسرائيل فى أى وقت؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هى شروط هذا الصلح؟

الرئيس ناصر: لقد صرح الزعماء المصريون والعرب مراراً بأنه لن يتيسر التمهيد لعقد صلح مع إسرائيل، إلا إذا احترمت إسرائيل قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولكن إسرائيل ما برحت تتحدى الأمم المتحدة، وتواصل غاراتها الوحشية على القرى الأمامية التى أثارت سخط الرأى العام العالمى، ودفعت الحكومة الأمريكية إلى توجيه اللوم إلى إسرائيل. وهذا الإجراء الأخير تطور له دلالته إذا تذكرنا ما للصهيونية من نفوذ فى الكونجرس، وسيطرة على وسائل النشر والإذاعة فى أمريكا.

وزيادة على ذلك فإن إسرائيل لم تصنع شيئاً لتهدئة العرب، بل إنها عمدت - حينما حاولنا تسوية خلافاتنا مع دول الغرب - إلى وضع العقبات، دون اعتبار لرغبة زعماء الغرب والبلاد العربية فى تحقيق قسط أوفر من الاستقرار، وما يتبعه من رفاهية لمصلحة السلام العالمى.

وإن زعماء إسرائيل لا يسعون إلا وراء مصالحهم، بغض النظر عما قد يصيب الآخرين من ضرر، بما فى ذلك أمن الدول الغربية التى يزعمون لأنفسهم صداقتها. ولقد زعم الإسرائيليون أنهم وحدهم أصدقاء الديمقراطية فى الشرق الأوسط، بينما تدحض أفعالهم ذلك الزعم. والواقع أن إسرائيل ليست صديقة لأحد؛ وإنما هى صديقة نفسها، وهى تتذبذب بين الشرق والغرب وفقاً لما تراه من كسب فى أى الجانبين. إن إسرائيل لا تسعى إلا لصالحها، بينما لم نغفل نحن قط عن مسئولياتنا القومية والدولية. وإنى أعتقد أن التوفيق الذى صاحب مفاوضاتنا مع بريطانيا حول مشكلة قناة السويس هو خير دليل على ذلك.

--------------------------------------------------------------------------------------------

حديث الرئيس عبد الناصرأدلى به إلى نائب مدير وكالة "يونايتيد بريس" فى الشرق الأوسط

بتاريخ ١٣ سبتمبر ١٩٥٤م.