جواهر نهرو مؤسس الهند الحديثة

جواهر نهرو  مؤسس الهند الحديثة

"غالبا ما يكون النجاح حليف هؤلاء الذين يعملون بجرأة، ونادراً ما يكون حليف أولئك المترددين الذي يتهيبون المواقف ونتائجها " .

ولد جواهر لال نهروالعام ١٨٨٩م  في مدينة الله آباد في أسرة ميسورة الحال، إذ كان والده محاميا ينتمي إلى طبقة البراهما. درس جواهرفي مدرسة هارو وهي مدرسة مستقلة للبنين في بلدة هارو في الكابيتول هيل،  ثم درس القانون فى كلية ترينيتي بجامعة كامبريدج البريطانيّة.   

 عاد نهرو إلى الهند  بعد أن تم دراسته وطاف في دول أوروبا مما زاد من أتساع أفقه، ليلتحق بمحكمة الله أباد العليا وأبدى اهتمامًا بالسياسة الوطنية التي حلت محل ممارسته لمهنته القانونية. كان رجلًا قوميًا ملتزمًا منذ شبابه، وانضمّ إلى الحركة الوطنيّة إلى جانب زعيمها آنذاك المهاتما غاندي، واعتبر يده اليمنى، وهو ما كلّفه الدخول إلى السجن  عدة مرات . أصبح نهرو  شخصية صاعدة في السياسة الهندية أثناء انتفاضات عام ١٩١٠م. 

وأصبح قائدًا بارزًا لفصائل جناح اليسار في حزب المؤتمر الوطني الهندي خلال عشرينات القرن العشرين، ورئيسًا لمجلس الشيوخ بموافقة ضمنية من مرشده، المهاتما غاندي. وعندما نصب رئيسًا لمجلس الشيوخ في عام ١٩٢٩م، طالب بالاستقلال التام من الحكم البريطاني وحث على تحول مجلس الشيوخ نحو اليسار.

سيطر نهرو من خلال مجلس الشيوخ على السياسة الهندية فى  ثلاثينات القرن العشرين أثناء اتجاه الدولة نحو الاستقلال. وتمت الموافقة ظاهريًا على فكرته عن دولة علمانية قومية بعد اكتساح مجلس الشيوخ انتخابات المحافظات الهندية في عام ١٩٣٧م، وتشكيل الحكومة في العديد من المحافظات.

وأصبح زميله في مجلس الشيوخ سابقًا محمد على معارضًا يزعم التحالف الإسلامي، وفرض محمد علي جناح، سيطرته على السياسة الإسلامية في الهند. وفشلت مفاوضات تقسيم السلطة بين مجلس الشيوخ والتحالف الإسلامي، ما أفسح المجال لتقسيم الهند الدموي في عام ١٩٤٧م. عارض نهرو مشاركة الهند في الحرب العالميّة الثانية، وحرّض الجماهير على ذلك فتمّ اعتقاله وسجنه ثلاث سنوات. واضطرت بريطانيا إثر انتهاء هذه الحرب إلى الاعتراف باستقلال الهند.

انتخب مجلس الشيوخ نهرو ليتولى منصب أول رئيس وزراء للهند المستقلة، وخلال رئاسته، باشر نهرو بتحقيق رؤيته للهند. فسنّ الدستور الهندي في عام ١٩٥٠م، ثم شرع في برامج إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية. وأشرف على تحويل الهند من مستعمرة إلى جمهورية، مع احتضان الجماعات ونظام التعددية الحزبية. أما عن السياسة الخارجية، تولى دورًا قياديًا في حركة عدم الانحياز، وسلط الضوء على الهند كإقليم مهيمن في جنوب آسيا.

اعتمدت سياسته على مبدأ الاشتراكيّة وعلمنة الدولة وتحقيق المساواة بين مختلف الطبقات المكوّنة للمجتمع الهندي، وكان من المدافعين البارزين عن قيم العدالة والسلام في العالم؛ فقد عرف بدوره الفعّال رفقة جمال عبد الناصر وتيتو في قيادة حركة دول عدم الانحياز، وفي نصرة الشعوب والقوى التحرّريّة في العالم ضدّ قوى الظلم والاستعمار منذ مؤتمر باندونغ ١٩٥٥م، الذي مثّل النواة الأولى لهذه الحركة. وكان لهذه الحركة أن فرضت وجودها واحترامها ونجحت إلى حد بعيد في عزل القوى الاستعماريّة وفضح مخططاتها.

كتب نهرو كتبا عدّة باللغة الانجليزية حول اكتشاف الهند ولمحات من تاريخ العالم وسيرته الذاتيّة وكتاب نحو الحرّيّة  (١٩٣٦م).

وفي عام ١٩٥٥م، مُنح جواهر لال نهرو بهارات راتنا، وهي أعلى تكريم مدني في جمهورية الهند. ومنحه الرئيس راجندرا براساد رتبة الشرف دون الأخذ بمشورة رئيس الوزراء كإجراء دستوري اعتيادي.

تعرض نهرو لأربع محاولات اغتيال من أشخاص مجهولين. كانت المحاولة الأولى أثناء تقسيم الهند في عام ١٩٤٧م، خلال زيارته للإقليم الشمالي الغربي في سيارة. وكانت الثانية عندما طعنه سائق عربة بالسكين في عام ١٩٥٥م،  وكانت المحاولة الثالثة في بومباي (حاليًا ماهاراشترا) في عام ١٩٥٦م. أما المحاولة الرابعة فكانت محاولة تفجير فاشلة في ماهاراشترا في عام ١٩٦١م. وبالرغم من التهديدات على حياته، استهجن نهرو الحصول على الكثير من الحماية حوله.

  تدهورت صحة الزعيم  نهرو، وأمضى أشهرًا بالتعافي في كشمير خلال عام ١٩٦٣م، وتوفي في ٢٧ مايو ١٩٦٤م، عن عمر يناهز ٧٤ عامًا. وتخليدا لذكراه أسست الهند جائزة دولية تمنحها الحكومة الهندية للأفراد تقديرًا «لإسهاماتهم البارزة في تعزيز التفاهم الدولي، والنوايا الحسنة، والصداقة بين شعوب العالم».