معرض القاهرة الدولي للكتاب.. عيد الثقافة والمثقفين

معرض القاهرة الدولي للكتاب.. عيد الثقافة والمثقفين

 

حدث عظيم تمت الدعوة لإنشائه قبل أكثر من خمسين سنة، وفى كل عام نستلهم من البدايات العظيمة، والأفكار الخلاقة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب وقوداً لاستكمال مسيرة أحد أهم معارض الكتاب في العالم، لم يكن معرض القاهرة الدولي للكتاب، هو أول معرض للكتاب في مصر، فقد سبقته محاولات عديدة، أبرزها المعرض الذى تم افتتاحه بتاريخ ٢٠ يونيو ١٩٤٦م، وأطلق عليه (معرض الكتاب العربي)، وذلك بحضور وزير المعارف العمومية وقتها ونخبة من كبار رجال الدولة، بالإضافة لرواد العلم والفكر والأدب، وكان المعرض يحتوى على قسم للكتب العربية، بالإضافة لقسم للكتب العربية المطبوعة في أوروبا وأمريكا .

 

ويعد أسبوع الكتاب العربي الأول في القاهرة، والذي تم افتتاحه في الفترة من ١٩ أكتوبر إلى ٢٦ أكتوبر ١٩٦٣م، بحضور وزير الإرشاد القومي الدكتور عبد القادر حاتم، وقد نجح نجاحاً كبيراً، لدرجة أنه تقرر مد أجله أسبوعاً آخر.

 وفى العام ١٩٦٤م، عُقد الأسبوع الثاني للكتاب العربي، وسط إقبال كبير، وبدأ المثقفون والكتاب والأدباء والفنانون يدعمون الفكرة، فقامت مجلة المجلة الصادرة عن المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، بإطلاق اسم “مهرجان الكلمة العربية” و” عيد الثقافة” على هذا الحدث المهم. وبذلك يُعد هذا الأسبوع هو الأب الروحي لمعرض الكتاب بشكله الحالي، وقد تم إنشاء المعرض في ظل سياسة ثقافية تشجع صناعة ونشر الكتاب على كل المستويات.

وبحسب مذكرات الدكتور ثروت عكاشة أول وزير ثقافة مصري والتي يسرد فيها بزوغ فكرة معرض القاهرة الدولي للكتاب: " قدم إلى الفنان عبد السلام الشريف مُقترحاً حول ضرورة إقامة معرض دولي للكتاب في مصر، وأشرتُ على المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر بتبني الاقتراح، فاتصلت بسوق الكتاب الدولي المعروف في ليبزج، وأرسلت مندوبها الأستاذ إسلام شلبي للتمهيد إلى إقامة معرض شبيه به على النطاق العربي، ليربطها بحركة نشر الكتاب دولياً، من خلال التعامل مع المشتركين في معرض ليبزج السنوي، وكان لحماسته الفائقة وكفاءته المذهلة الفضل الأكبر في نجاح الفكرة . وبدأت نتيجة هذه الاتصالات المثمرة الإعداد لمعرض الكتاب الدولي، الذي أقامته المؤسسة لأول مرة في يناير ١٩٦٩م، كي تتيح الفرصة أمام الجامعات والهيئات العلمية، للوصول إلى حاجتها من المراجع بأسعار مناسبة. ولقد اشتركت في هذا المعرض الأول ٢٧ دولة وأكثر من ٤٠٠ دار نشر، وزارة ما يزيد على سبعين ألف زائر خلال عشرة أيام، هي فترة إقامته“.

وفي الثاني والعشرين من يناير العام ١٩٦٩م، افتتح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبمشاركة وزراء الثقافة والإرشاد القومي، والخزانة والأوقاف، والتعليم العالي هذا بجانب سفراء الدول العربية والأجنبية وممثلو الهيئات الثقافية بالخارج، وتحت إشراف وتنظيم الكاتبة سهير القلماوي، رئيس المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، أول دورة من معرض القاهرة الدولي للكتاب بأرض الجزيرة (المكان الحالي لدار الأوبرا المصرية)، علي مساحة تقدر ب٢٠٠٠ متر، وبسواعي ١٥ مهندسا من جميع التخصصات، و١٥٠عاملاً؛ منهم ٥٠ نجاراً شاركوا على مدار أكثر من شهر في إنجاز أعمال الديكور والأرفف، ، وعمل سرايا العرض الرئيسية لتجهيزها لاستقبال معروضات الكتب الأجنبية، وافتتاح المعرض.

 انبثقت فكرة معرض الكتاب، كأحد التظاهرات الثقافية للاحتفال ببلوغ مدينة القاهرة عامها الألف، وكان يهدف إنشاءه إلى إبراز الأدب المصري وإنعاش أسواق الكتب، فأصبح الحدث الثقافي الأهم والأقدم عربيا، وسيلة فاعلة لكل تقدم حضاري ينتشر على رقعة واسعة من الشعب، ويدل اتساعها على مدى قابلية الأمة، وأملها في أن تتقدم ركب الحضارة وتسهم فيه.

لقد كان الإقبال على المعرض كبيراً، وتذكر المصادر أن إدارة المعرض اضطرت وقتها إلى فتح أبوابه للزوار من العاشرة صباحاً إلى السابعة مساء، دون إعطاء فرصة راحة للعارضين لتناول الطعام أو حتى للراحة من المناقشة والكلام، نتيجة للإقبال الشديد على مدار اليوم.

 

واكتفى المعرض خلال دوراته التسع الأولى، بأن يكون منفذًا لبيع الكتب، ليتحول بعد ذلك في العام عام ١٩٧٨م، لملتقى أدبي حيث عقدت في دورة تلك العام، حلقات دراسية على هامش المعرض وتميزت بنقاشات موضوعية وعميقة تخص موضوعات الأطفال والأهالي، بتنظيم من مركز تنمية الكتاب بالهيئة العامة للكتاب بمساعدة اليونسكو.

وفي أثناء حرب ١٩٦٧، كان لمعرض الكتاب دور فعال في توعية الشعب المصري على أهمية الحفاظ على الثقافة، وفي جميع الندوات الثقافية كان يتم التأكيد على أهمية الثقافة العربية في مواجهة الاحتلال. وبعد نصر أكتوبر٧٣ أصبح المعرض بوابة مصر على العالم، فبذل القائمين على المعرض جهود عديدة من أجل نشر أسم المعرض حول العالم. وبعد عقد معاهدة السلام، أرادت إدارة معرض الكتاب استضافة جناح للاحتلال في دورته الرابعة عشر عام ١٩٨١م، من الرئيس الأسبق أنور السادات،  لكنها لاقت اعتراضات ضخمة ومظاهرات اجتاحت الجناح الإسرائيلي بالرغم من حمايته من قوات الأمن، وكانت مشاركة فاشلة، تكررت بعدها بأربعة أعوام، في العام ١٩٨٥م، عبر جناح أصغر في سرايا العرض فقط، ولكنها منعت تمامًا من المشاركة في عام ١٩٨٧م.

 

وفي عام ١٩٨٣م، انعقدت الدورة رقم ١٦ لمعرض القاهرة الدولي للكتاب بأرض المعارض الكائنة بمدينة. نصر بعدما  تعرضت دار الأوبرا الخديوية، بمقرها بحي الأزبكية إلى حريق كبير أدى لتدميرها بالكامل عام ١٩٧١م بعد أن بلغ عمرها ١٠٢ عاماً، وتقرر فيما بعد بناءها من جديد لكن في مكان آخر، وعليه تم نقلها إلي مقر أرض المعارض بالجزيرة، لذلك انتقلت أرض المعارض لمقرها في مدينة نصر، عام ١٩٨٠م، ونقل إليها معرض الكتاب، لتنعقد أولى دوراته في المقر الجديد  عام ١٩٨٣م، ليظل ينعقد دوريا هناك على مدار ٣٥ عامًا، حتى الدورة رقم ٤٩، لينقل مرة ثانية إلي مركز المعارض الدولية بأحد تجمعات مدينة القاهرة الجديدة (حي التجمع الخامس)، حيث عقدت دورته الخمسين (اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب).

وزاد نشاط الندوات والأنشطة الثقافية والمعارض الفنية بدءا من عام ١٩٨٦م، على إثر مشاركة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك في المعرض للمرة الأولي، وعقده لقاءا مع المثقفين استمر لمدة ساعتين، وواظب بعدها على المشاركة في معرض الكتاب وافتتاحه بشكل دوري.

 

وفي عام ١٩٩٢م، عُقدت أشهر المناظرات في تاريخ المعرض حيث ترتب عليها عملتي اغتيال وقعتا بالفعل، حيث أعلنت الهيئة المصرية العامة للكتاب في الأول من يونيو عام١٩٩٢م، أن هذا العام سيشهد مناظرات حول موضوعات شائكة في معرض الكتاب، تحت عنوان مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية، وكان أطراف المناظرة الشيخ محمد الغزالي، والمستشار محمد مأمون الهضيبي، والدكتور محمد عمارة، وفي مواجهتهم فرج فودة، رئيس حزب المستقبل آنذاك، والدكتور محمد أحمد خلف الله، العضو البارز بحزب التجمع وانتهت المناظرة التي أدارها سمير سرحان، وحضرها ما يقرب من ٣٠ ألف شخص بتفوق فرج فوده علي الغزالي بشكل واضح، ويقال أن يومها تقرر اغتيال كل من فرج فودة الذي توفي بالفعل والأديب نجيب محفوظ.

 

وشهد المعرض كذلك عدد من الأزمات في دوراته مثل الاحتجاجات الشديدة من قبل الجماعات المتشددة عام ٢٠٠٠م، على بعض المنشورات والكتب الصادرة عن دور نشر حكومية وخاصة والتي تحولت إلى تظاهرات نادرة الحدوث وقتها كما تعرض بعض الناشرين وباعة الكتب إلى التضييق على كتبهم ومنع بعضها من قبل الدولة عام ٢٠٠٥م.

وبدءا من العام ٢٠٠٦م، بدأت إدارة المعرض باختيار دولة لتكون ضيف شرف المعرض وكانت الدولة الأولي هي ألمانيا وبدأت للمرة الأولي كذلك فعاليات الدائرة المستديرة، وتم تصنيف معرض القاهرة الدولي للكتاب ثاني المعارض الأهم علي مستوي العالم بعد معرض فرانكفورت.

وفي عام ٢٠١٠م، اتخذ الرئيس الراحل محمد حسني مبارك قرارا بهدم الجميع مباني أرض المعارض الكتاب تمهيدا لبيع الأرض إلى جهات استثمارية، ومن ذلك الحين وصالات عرض الكتب عبارة عن خيم وقاعات عرض مكشوف.

 

وطوال سنوات المعرض لم يتوقف أو يتم تأجيل أي من دورات المعرض، سوى في دورة واحدة فقط عام ٢٠١١، بسبب قيام ثورة ٢٥يناير، التي اندلعت في الخامس والعشرين من يناير واستمرت حتى ١١ فبراير، وعادت الدورات في الانتظام، بدءًا من العام التالي.

وفي دورته الـ٤٩ لعام ٢٠١٨م، وصل عدد زوار المعرض إلى ٤٫٥مليون زائر. وعلى مساحة بلغت ١٠٠ فدان وهي المساحة الأكبر على مستوي العالم لمعارض الكتب. افتتح المعرض أبوابه هذا العام للزوار في الرابع والعشرين من يناير العام ٢٠١٩م، قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بافتتاح المعرض في الثاني والعشرين من يناير بمقره الجديد بمركز المعارض بالتجمع الخامس، وكان قد تم اختيار شخصيتين للمعرض لهذه الدورة وهما ثروت عكاشة وسهير القلماوي المؤسسان الأوائل لمعرض الكتاب.

وبعد كل هذه السنوات يواصل معرض القاهرة الدولي للكتاب رسالته التنويرية من افتتاحه في الثاني والعشرين من يناير العام ١٩٦٩م، وحتى وقتنا الحالي، ويعد استمراره وتجدده المستمر إنجازا كبيرا لمصر والمصريين، تم تأجيل الدورة رقم ٥٢ من المعرض بسبب جائحة كورونا لتقام في الفترة من ٣٠ يونيو العام ٢٠٢١م، وتستمر إقامته حتى الخميس الموافق الخانس عشر من يوليو العام ٢٠٢١م، بزيادة أربعة أيام على المعتاد، واحتفالا بذكري ثورة الثلاثين من يونيو.

يعد معض القاهرة الدولي مناسبة مهمة لكل محبى الكتاب في مصر والعالم، وتأتى وسط ترقب كبير من القراء والمهتمين بشئون الكتاب، أملاً في مستقبل أفضل للمعرض الذى يعد بحق وخلال كل هذه السنوات عيد الثقافة والمثقفين السنوي.

 

المصادر

الهيئة العامة للاستعلامات.

جريدة الأهرام المصرية.