جوزيف تيتو

جوزيف تيتو

ولد جوزيف تيتو في السابع من شهر مايو عام ١٨٩٢م، بقرية كومروفيتش بالقرب من العاصمة الكرواتية زغرب، وهو الا بن السابع لأب كرواتي وأم سلوفينية تدعى ماريجا، التحق تيتو  بالمدرسة الابتدائية عام ١٩٠٠م ولم يكمل تعليمه بسبب الفقر، وفي عام ١٩٠٧م سافر تيتو الى المدينة بحثا عن عمل ليجد ضالته بأحد المصانع في سيساك، وفى الفترة من ( ١٩٠٨ –١٩١٣م) مارس مهنة الحدادة، حتى تم تجنيده في الجيش النمساوي المجري في عام ١٩١٣م، وأكمل تدريب ضباط الصف و فور اشتعال الحرب العالمية الأولى، تم إرساله للقتال في بودابست، وبعد مرور عامين على الحرب تم إرساله إلى الجبهة الشرقية للقتال ضد الروس لكنه أصيب في أحد المعارك وتم أسره على يد القوات الروسية.

ليقضى جوزيف تيتو ما يقرب من ثلاثة عشر شهرا في إحدى المستشفيات الروسية يتلقى العلاج فيها، وبعد التعافي تم نقله إلى معسكر للأسرى في جبال الأورال، وهناك اختاره السجناء ليكون قائداً لهم. وفور اندلاع  الثورة البلشفية بقيادة فلاديمير لينين عام ١٩١٧م، والتي كانت تهدف إلى إسقاط نظام الحكم وتطبيق الشيوعية في البلاد، وتم على إثرها اقتحام السجن وتحرير كافة السجناء، وكان من ضمنهم جوزيف تيتو الذي بدأ يتشكل لديه وعي سياسي جديد، ومن هنا بزغ حبه للشيوعية، فقد أعجب بشدة بسياسة فلاديمير لينين، وبأفكار الثورة البلشفية التي تهدف لتحقيق الحرية والمساواة وتفتيت القومية والعرقية، الأمر الذي يعاني منه وطنه يوغسلافيا، فعزم على تحقيق هذه المبادئ في وطنه وتوحيد صفوفه، ورفع مكانته بين الدول، إصراره هذا دفعه لخوض العديد من المعارك.

وفى العام ١٩١٨م، انضم تيتو للحرس الأحمر وانتسب للحزب الشيوعي الروسي لمواجهة النظام الروسي، وشارك في الثورة البلشفية ولم يمض الكثير حتى اعتقل مجدداً لكنه تمكن من الفرار وشارك في المظاهرات في سان بطرسبرغ ليعتقل مرة أخرى ويسجن في حصن بول بيتر، ويتقرر نفيه إلى خارج البلاد وفي وسط الطريق قفز تيتو من القطار وهرب، واختبئ مع عائلة روسية في مدينة اومسك في سيبيريا، وهناك التقى بزوجته بيلاجيجا بيلوسوفا.


وفي عام ١٩٢٠م، عاد إلى موطنه وانضم إلى الحزب الشيوعي اليوغوسلافي الذى زادت مكانته في البلاد وحصل في انتخابات التي أجريت على ٥٩ مقعدا بعد نجاح الثورة البلشفية في إسقاط النظام الروسي، وفرض الشيوعية على الساحة السياسية، وآنذاك كان يتمتع الشيوعين حينها بحرية أكبر من ذي قبل في ممارسة نشاطهم السياسي، وذلك بفضل هيمنة الاتحاد السوفيتي -رأس الشيوعية- على البلاد، ولكن تغير الحال فجأة إلى النقيض، وذلك باغتيال السياسي ميلوراد دراشكوفيتش، حيث تم توجيه أصابع الاتهام إلى الشيوعيين، فتم حظر الأحزاب الشيوعية وبدأت مطاردة الشيوعين وسجنهم، بل وقتل الكثير منهم.

ومع استمرار تضييق الخناق على الشيوعين قرر تيتو الانتقال إلى مدينة تروجستفو، والبعد عن عالم السياسة. وهناك بدأ العمل بمجال الكتابة، لكنه لم يستطع الابتعاد فعاود ممارسة نشاطه الشيوعي في الخفاء، وأسس فرعاً للحزب الشيوعي اليوغسلافي بمدينة زغرب، وسرعان ما تم الكشف عنه وسجن لمدة خمسة سنوات، وهناك التقى تيتو برفيق دربه موسى بيجادي، وبعد إطلاق سراحهما عادا إلى ممارسة نشاطهما الثوري تحت أسماء مستعارة، كوالتر وتيتو.

وفى عام ١٩٣٤م، أرسلت اللجنة المركزية لفرع زغرب تيتو إلى فيينا للمشاركة في الاجتماع العام للحزب الشيوعي اليوغسلافي، وتم انتخابه عضواً بالمكتب السياسي للحزب  مع إدوارد ميلوفان، وألكسندر رانكوفيتش، وفى عام ١٩٣٥م، سافر إلى الاتحاد السوفيتي وعمل لمدة سنة في الكومنترن وأصبح مسؤولا بارزا في المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية، وتم إرساله مع كتيبة خاصة للمشاركة في الحرب الأهلية الإسبانية ودعم الجمهوريين واليساريين، وفى عام ١٩٣٧م، كلفه ستالين بالبقاء في يوغسلافيا لتنظيم صفوف الحزب الشيوعي اليوغسلافي.

وفي السادس من ابريل عام ١٩٤١م بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية قامت ألمانيا بغزو يوغسلافيا، بمساعدة من القوات الإيطالية والمجرية، فقام جوزيف تيتو بتشكيل لجنة عسكرية داخل الحزب الشيوعي اليوغسلافي، خاصة بعد هروب الملك بيتر وانهيار جيش الدولة، وأصدر بيانا لحث الشعب على المقاومة ودعوته للتوحد في مواجهة الاحتلال، وفى السابع والعشرين من يونيو من العام نفسه؛ أعلنت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوغوسلافي تعيين تيتو قائدا عاما للقوات المسلحة لجهوده في مواجهة النازية وحلفائها.

تزايدت العمليات العسكرية اليوغسلافية ومثلت مقاومتها فاعلية كبيرة، وركز الألمان جهودهم على إخماد المقاومة وحاولوا اغتيال تيتو ثلاث مرات واحدة منها جرت في الخامس والعشرين من مايو ١٩٤٤م عندما هاجمت طائراتهم مقر تيتو في البوسنة إلا أنه كتبت له النجاة، وفى الثامن والعشرين من سبتمبر ١٩٤٤م سمح تيتو للجيش الأحمر بالدخول إلى أراضي يوغوسلافيا والقيام بعمليات عسكرية للقضاء على آخر معاقل الاحتلال الألماني، بعدها شن جيش التحرير اليوغسلافي هجوما ضخما وتمكن من اختراق الدفاعات الألمانية التي اضطرت للانسحاب من يوغسلافيا، وبذلك انتصر تيتو وتحررت يوغوسلافيا من الاحتلال.

وفي العام ١٩٣٤م تولى جوزيف تيتو رئاسة الوزراء، نصب كأول رئيس جمهورية ليوغوسلافيا في العام ١٩٥٣م، وحصل على رتبة مارشال بوصفة القائد الأعلى للجيش اليوغسلافي، فأقر دستورا جديدا وأعاد بناء الجيش اليوغوسلافي الذي أصبح واحدا من أقوى الجيوش الأوروبية آنذاك.

كان تيتو من دعاة عدم الانحياز ومناهضاً لسياسة جوزيف ستالين زعيم الاتحاد السوفيتي، ولطالما نادى بضرورة تعدد طرق الوصول للاشتراكية، فليكن لكل دولة نهجاً يناسبها تسير به، الأمر الذي لم يعجب ستالين ورأى فيه تمرداً وخروج عن الاشتراكية الصحيحة، فقام بطرد تيتو من منظمة الكومنترن، وأطلق على سياسته “الشيوعية التيتوية” كنوع من السخرية والاستخفاف بسياسته، وبمرور الوقت أصبح هذا اللقب يطلق على كل التيارات الشيوعية التي تنادي بالاستقلال الوطني وعدم الرضوخ لاشتراكية الاتحاد السوفييتي.

بعد انفصال تيتو عن الاتحاد السوفيتي قام بتبادل المعونات الاقتصادية مع دول رابطة آسيا وإفريقيا، ولكنه لم يكن يقبل بمعونات من الغرب، وبعد وفاة ستالين عام ١٩٥٣م بدأ تيتو باسترجاع علاقته مع الاتحاد السوفيتي ولم يكن تيتو يريد الوقوف مع أحد خلال الحرب الباردة.

وفي أواخر العام ١٩٥٤م كان أول لقاء لجمال عبد الناصر وتيتو، تبعه بقاء أخر في مدينة باندونج الاندونيسية في عام ١٩٥٥م، حيث التقى الرئيس جوزيف تيتو الزعيم المصري جمال عبد الناصر على هامش انعقاد عقد مؤتمر باندونج الذي دعا إليه المناضل الراحل أحمد سوكارنو رئيس إندونيسيا آنذاك، وحضرته ٢٩ دولة من قارتي آسيا وأفريقيا، وشارك فيه رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو والصيني شوان لاي. وكانت أبرز نتائجه تأسيس المجموعة الأفروآسيوية في الأمم المتحدة، ثم حركة عدم الانحياز بعد ذلك.

جمعته علاقة قوية مع الزعيم المصري جمال عبد الناصر الذي كان يعتبره اعز صديق له.  زار الرئيس جوزيف تيتو القاهرة عدة مرات، وتجلت قوة هذه العلاقة إبان الحرب، حيث قام بقطع كل العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بعد حرب عام ١٩٦٧م وقام تيتو بدعم الجيش المصري بـمئة دبابة لتعويض خسائر الجيش المصري، وفى قلب العاصمة المصرية القاهرة أطلق اسم جوزيف تيتو على أحد أهم شوارعها ومحاورها.

و في العام ١٩٧٩م، ساءت الحالة الصحية للرئيس جوزيف تيتو، حيث كان يعاني من انسداد شرياني في ساقة اليسرى، وبعد رحلة علاج طويلة قرر الأطباء بتر ساقه، لتزداد حالته سوءا ويفارق الحياة في الرابع من  مايو عام ١٩٨٠م، وأعلن الحداد في جمهورية يوغسلافيا لمدة سبعة أيام، وتم تحضير جنازة مهيبة حضرها معظم قادة وزعماء من مختلف دول العالم.