ليوبولد سيدار سنجور... حكيم إفريقيا

ليوبولد سيدار سنجور... حكيم إفريقيا


"بدفاعنا اليوم عن السنغال، ندافع عن أنفسنا أولاً؛ عن أرضنا وموتانا، وعن الذين ينامون في الأسفل، وعن منازلنا وأطفالنا، وعن شرفنا وكرامتنا. نحن نفعل أكثر من ذلك؛ لأننا ندافع في الوقت نفسه عن قضية الحرية والتعاون في إفريقيا".
(من خطاب ليوبولد سنجور الموجه إلى مواطني السنغال)

"ليوبولد سيدار سنجور" الملقب بـ "حكيم إفريقيا"، هو أول رؤساء السنغال، وُلد في ٩من أكتوبر عام ١٩٠٦م، في بلدة "جوال" على الساحل السنغالي، وتُوفي في ٢٠ ديسمبر عام ٢٠٠١م، من أسرة كاثوليكية برجوازية. والده "ديوكويي سنجور" رجل أعمال، ووالدته تنحدر من جذور ملكية، وله العديد من الألقاب منها "أعظم عظماء إفريقيا"، و"المعتدل الحكيم"، "وفيلسوف أدب الزنوجة"، و"عاشق إفريقيا"، كما وُصف بأنه رجل متعدد الأبعاد فهو شاعر وفيلسوف ورجل دولة وأستاذ ومفكر.



هو من مؤسسي منظمة الوحدة الإفريقية –الاتحاد الإفريقي حاليًا-، وحكمه امتد قرابة العشرين عامًا. ويُذكر هنا إعلانه قبل توليه السلطة أنه جاء لأجل استقلال السنغال ومن ثم لن يتبقى في السلطة؛ وذلك لأن هدفه بناء أمة وليس فقط بناء دولة، وبذلك أراد تثقيف إفريقيا، كما شجع على إنشاء أحزاب سياسية متعدد لتحقيق الديمقراطية.

تبنى "سنغور" اشتراكية (الزنوجية) وتجدر هنا الإشارة بأنه تم تبني الاشتراكية في القارة من اتجاهات متعددة حسب مواقف أصحابها، فبينما تبنى "سنغور" الاشتراكية الزنجية، نجد "جمال عبد الناصر" تبنى الاشتراكية العربية، في حين كانت هناك الاشتراكية الإيجابية لـ "نكروما"، وأيضًا الاشتراكية الإفريقية حسب فكر "كينياتا"، والاشتراكية الزراعية عند "نيريري"، وغيرهم.

يعتبر ليوبولد سنجور رائدًا في الشعر السنغالي الحديث وسياسيًا مثقفًا، ورئيسًا حكيمًا، ودخل السياسة، علمًا بأن السياسة الكبرى، بالنسبة له، هي الثقافة واللغة والعادات والتقاليد حول حضارة تضم العرق الأسود.

أسس (حركة الزنوجیة) عام ١٩٣١م، ثم أسس مجلة بعنوان (الطالب الأسود) عام ١٩٣٤م، اُنتخب في الجمعية الوطنية الفرنسية عام ١٩٥٥م، ودخل المجلس في حكومة (إدغار فور)، ثم عُين رئيسًا للسنغال عام ١٩٦٠م، ثم أسس مجلة (الأميرة الإفريقية) عام ١٩٧٤م.

يعتبر هو أول إفريقي من غرب إفريقيا يتلقى تعليمًا فرنسيًا أكاديميًا بأعلى المستويات، كما أنه أول إفريقي يتخرج في السوربون ١٩٣١م، وأول إفريقي ينال درجة الأجريجاسيون - امتحان تنافسي للخدمة المدنية في نظام التعليم العام الفرنسي (التعليم الثانوي أو الجامعي)- من فرنسا، وأول كاتب أسود البشرة يتبوأ كرسي الأكاديمية الفرنسية- مجمع الخالدين- عام ١٩٨٤م، وأول رئيس للسنغال المستقلة ١٩٦٠م، وأخيرًا وليس آخرًا هو أول رئيس إفريقي يتخلى عن الرئاسة عام ١٩٨١م.

أجاد العديد من اللغات منهم: الفرنسية اللاتينية واليونانية وغيرها. وسارعت ثلاثون جامعة دولية لمنحه الدكتوراه الفخرية منها: جامعة (القاهرة)، و(هارفارد)، و(السربون)، و(أبيدجان)، و(بيروت) وغيرهم.

حصل على جوائز كثيرة منها: جائزة نوبل للسلام عام ١٩٦٨م، والجائزة الدولية الكبرى للشعر ١٩٦٣م، والميدالية الذهبية للغة الفرنسية عن مجمل مؤلفاته ١٩٦٣م، وجائزة أبو لينير ١٩٧٤م، وجائزة موناكو الأدبية ١٩٧٧م، وجائزة أمير الشعراء ١٩٧٨م، وجائزة ألفريد دوفينين ١٩٨٠م. كما أن له العديد من المؤلفات منها: كتاب (ما أؤمن به) وهو ملخص فكره حول "الزنوجة" وذلك في عام ١٩٨٨م، وكتاب (الحرية: حوار الحضارات) عام ١٩٩٣م، وكتاب (معتقداتي) وغيرهم.

وله دواوين وأعمال شعرية، منها على سبيل المثال: عودة الولد الضال، وإثيوبيات، وأغاني الظل، ورسالة من فصل شتوي، وليليات، ومرثيات جليلة، وقربان أسود، وغيرهم.

وفي عام ١٩٧١م، استقبل الرئيس المصري "أنور السادات" الرئيس السنغالي"سنغور" في القاهرة، كما أنشأت مصر الجامعة الدولية الفرنسية للتنمية الإفريقية (جامعة سنغور) والتي تعتبر من أهم أذرع العمل المصري المساهم من أجل التنمية والتواصل مع الأفارقة الناطقين بالفرنسية، ومقرها مدينة الإسكندرية، تكريمًا وتقديرًا لإسهاماته؛ فهو من مزج بين حلم القصیدة والواقعية السیاسية، فنتج عن ذلك الحضور الطاغي للفكر الإنساني ليس في مجتمعه فقط، بل في العالم أجمع.