آفاق تمكين الشباب

آفاق تمكين الشباب

كتب: محمد حاتم

باحث ومصرفي بالبنك العقاري المصري العربي

 

المقدمة

تعد مشاركة الشباب في الحياة السياسية من أهم الركائز لتعزيز الديمقراطية وضمان التنمية المستدامة في أي مجتمع. يمثل الشباب فئة كبيرة من السكان في العديد من الدول، ومع ذلك غالبًا ما يتم تهميشهم سياسيًا، ما يؤدي إلى تقليل الاستفادة من طاقاتهم وأفكارهم المبتكرة. تأتي هذه الورقة لتقديم سياسات واضحة تهدف إلى تمكين الشباب سياسيًا، ودعمهم للمشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات والسياسات التي تؤثر على مستقبلهم.

التحديات التي تواجه مشاركة الشباب في السياسة:

رغم أن الشباب يشكلون نسبة كبيرة من السكان، إلا أنهم يواجهون عدة تحديات تعيق مشاركتهم السياسية، ومن أبرز هذه التحديات:

1. القيود الثقافية والاجتماعية:

   تعتبر العديد من المجتمعات أن السياسة مجال للكبار فقط، ولا يُنظر إلى الشباب على أنهم مؤهلون للمشاركة في اتخاذ القرارات السياسية. هذه الفكرة تحد من دور الشباب وتقلل من احترامهم كمشاركين مؤثرين.

2. الفقر والبطالة:

   يعاني الكثير من الشباب من ظروف اقتصادية صعبة، مثل البطالة والفقر، مما يقلل من فرصهم في المشاركة السياسية. في ظل هذه الظروف، يكون الشباب أكثر انشغالًا بتلبية احتياجاتهم الأساسية بدلاً من التركيز على القضايا السياسية.

3. عدم الثقة في المؤسسات السياسية:

   يعاني العديد من الشباب من فقدان الثقة في المؤسسات السياسية التقليدية مثل الأحزاب والبرلمانات. يتزايد هذا الإحساس بسبب الفساد وعدم الشفافية الذي يعاني منه العديد من الأنظمة السياسية.

4. ضعف التعليم السياسي:

   يُعتبر التعليم السياسي عنصراً أساسياً لتمكين الشباب. في العديد من الدول، هناك نقص في المواد التعليمية والبرامج التي تهدف إلى تعزيز الوعي السياسي لدى الشباب، مما يؤدي إلى نقص في معرفة حقوقهم وواجباتهم السياسية.

السياسات المقترحة لتمكين الشباب سياسيًا:

لمواجهة التحديات السابقة، يجب تبني مجموعة من السياسات التي تهدف إلى تعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية. وفيما يلي بعض السياسات المقترحة:

1. تعزيز التعليم السياسي:

   - يجب إدراج مقررات تعليمية عن السياسة في المناهج الدراسية بدءًا من المراحل التعليمية المبكرة. يمكن لهذه المقررات أن تعزز من وعي الشباب بحقوقهم وواجباتهم كمواطنين.

   - دعم برامج التوعية والتثقيف السياسي في الجامعات والمؤسسات غير الحكومية، بالإضافة إلى عقد ورش عمل ومحاضرات تستهدف زيادة الوعي السياسي.

2. تطوير منصات للشباب في السياسة:

   - تشجيع إنشاء مجالس شبابية محلية ووطنية تكون بمثابة منصات للشباب للتعبير عن آرائهم والمشاركة في صنع القرارات. هذه المجالس يمكن أن تعمل كحلقة وصل بين الشباب وصناع القرار.

   - تخصيص كوتا (حصة) للشباب في المجالس المنتخبة مثل البرلمانات والبلديات لضمان وجود تمثيل عادل لهم في الهيئات التشريعية.

3. تعزيز مشاركة الشباب في الأحزاب السياسية:

   - يجب أن تفتح الأحزاب السياسية أبوابها للشباب، سواء من حيث العضوية أو من حيث القدرة على شغل مناصب قيادية. يمكن أن يساعد ذلك في خلق جيل جديد من القادة السياسيين الذين يفهمون احتياجات الأجيال الشابة.

   - تقديم حوافز للأحزاب التي تروج للمرشحين الشباب وتوفر لهم فرصاً في القيادة.

4. دعم ريادة الأعمال الاجتماعية والسياسية:

   - تشجيع المبادرات الشبابية التي تركز على معالجة المشكلات الاجتماعية والسياسية. يجب تقديم الدعم المادي والتقني لهذه المبادرات لمساعدتها على النمو والتأثير.

   - تمويل البرامج التي تهدف إلى تطوير مهارات القيادة لدى الشباب مثل البرامج التدريبية وورش العمل المتعلقة بإدارة الحملات السياسية، التفاوض، وصنع السياسات.

5. زيادة الشفافية والمساءلة في النظام السياسي:

   - تعزيز آليات الشفافية في النظام السياسي لضمان مشاركة الشباب بثقة أكبر. على سبيل المثال، يمكن إنشاء منصات إلكترونية تتيح للشباب متابعة ما يجري داخل البرلمانات والحكومات.

   - تعزيز قنوات التواصل بين المسؤولين والشباب لضمان وصول آراء الشباب ومقترحاتهم إلى دوائر صنع القرار.

6. تشجيع استخدام التكنولوجيا في المشاركة السياسية:

   - تعد التكنولوجيا من الأدوات المهمة لتمكين الشباب من المشاركة في السياسة. يمكن إنشاء منصات إلكترونية تتيح للشباب المشاركة في النقاشات السياسية، التصويت في الاستبيانات، وحتى الانخراط في الحملات السياسية الرقمية.

   - استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لتعزيز الوعي السياسي بين الشباب، بالإضافة إلى تعزيز النقاشات السياسية التي تستهدف الشباب بشكل خاص.

7. توفير فرص للتمويل السياسي للشباب:

   - غالبًا ما تكون الحملات الانتخابية مكلفة، مما يعيق ترشح الشباب للمناصب السياسية. يمكن تقديم برامج تمويل خاصة لدعم المرشحين الشباب أو إنشاء صناديق خاصة لدعم حملاتهم.

   - تقديم حوافز مالية للأحزاب التي تروج للمرشحين الشباب وتوفر لهم فرصة التنافس على قدم المساواة مع السياسيين الأكبر سنًا.

8. تشجيع الشباب على المشاركة في المنظمات غير الحكومية:

   - تعتبر المنظمات غير الحكومية مجالًا آخر يمكن أن يشارك فيه الشباب لتحقيق تأثير سياسي. يجب تشجيع الشباب على الانضمام إلى هذه المنظمات أو إنشاء مبادراتهم الخاصة لمعالجة القضايا التي تهمهم.

   - توفير تدريبات ومشاريع تمويلية لدعم المبادرات الشبابية في هذا المجال، مما يعزز من قدرتهم على التأثير في السياسات العامة.

الخاتمة

 

تمكين الشباب سياسيًا ليس خيارًا، بل ضرورة لتحقيق تنمية مستدامة وتعزيز الديمقراطية. يجب أن تعمل الحكومات، الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني معًا لضمان أن يكون للشباب دور فعال في صنع القرار. من خلال تطبيق السياسات المقترحة، يمكن تعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية وتوفير الفرص لهم لقيادة التغيير في مجتمعاتهم.

التوصيات

1. ضرورة إدراج التعليم السياسي كجزء من المناهج التعليمية منذ سن مبكرة.

2. دعم المبادرات التي تسعى لتطوير منصات شبابية في المؤسسات السياسية.

3. توفير برامج تمويلية لدعم الحملات السياسية للمرشحين الشباب.

4. تشجيع استخدام التكنولوجيا لتعزيز مشاركة الشباب في السياسة.

5. العمل على بناء الثقة بين الشباب والمؤسسات السياسية من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة.

وختامًا، تطبيق هذه التوصيات يمكن أن يُحدث تحولاً حقيقيًا في مشاركة الشباب السياسية، ما يسهم في بناء مستقبل أكثر إشراقًا وعدالة.