تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية على الاقتصاد الروسي

كتب: ماجد ميخائيل
باحث مهتم بالشؤون السياسية
وفيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجموعة من الدول الغربية على الاقتصاد الروسي ومؤسساته المالية الرئيسية، وذلك ردًا على الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، وكذلك التفكير في حظر روسيا من نظام "سويفت" العالمي للمدفوعات، في الوقت الذي تم فرض مجموعة واسعة من الإجراءات التقييدية ضد العلاقات التجارية الروسية مع العالم.
وفي هذا السياق، يٌشار إلى عدم جدوى القيود على روسيا فيما يتعلق بنظام "سويفت" العالمي، ومن غير المعقول تصورها بأنها سلاح نووي مالي، لا سيما عدم جدوى تطبيقها بحد كبير ضد إيران سابقًا؛ حيث تم حظر إيران من نظام "سويفت" العالمي للمدفوعات، مضيفًا أن هذا الإجراء لم يكن انعزاليًا؛ حيث كان تتويجًا لحملة استمرت طويلًا ضد العلاقة المصرفية الإيرانية مع العالم، لا سيما وأن نظام "سويفت" هي خدمة تحويل لا تقدم خدمات المقاصة، كما يتطلب استبعاد البنوك الروسية حملة شاملة ضد البنك المركزي الروسي والحسابات المقابلة للبنوك الروسية الأجنبية؛ حيث أن الاقتصاد الروسي يزيد عن نظيره الإيراني، كما يُعد أكثر اندماجًا في الاقتصاد الأوروبي.
كما أن حملة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي، خلال فترة أواخر السبعينيات والثمانينيات، وذلك في سياق الحرب الباردة بينهم، والتي خلقت حواجز اقتصادية بين التجارة بين الشرق والغرب، ومن ذلك الوقت أصبحت العقوبات أداة للدول الكبرى ضد الدول النامية، لكن مؤخرًا أصبح الغرب واثقًا بشكل كبير في العقوبات التي يفرضها، كما يميل إلى فرض عقوبات واسعة تستهدف اقتصادات وشعوب كاملة، بالإضافة إلى أنه في السنوات الأخيرة أعرب العلماء والمسؤولون عن قلقهم بشأن الاستخدام المفرط للعقوبات، وهو ما قد يؤدي إلى تقليل قيمتها أو إلى تفكك الأنظمة المالية الغربية باعتبارها النواة الافتراضية للعالم المالي، وفي ضوء ذلك يمكن تناول هذه المخاوف فيما يلي:
أولًا، القلق من أن الحلفاء الأوروبيين قد يسعوا إلى تحقيق التوازن بشكل فعال ضد قدرات العقوبات الأمريكية عندما تفرض واشنطن عقوبات تتجاوز الحدود الإقليمية، والتي قد تتعارض أهدافها السياسية مع تفضيلاتهم الخاصة؛ إذ يدرس الاتحاد الأوروبي حاليًا إطارًا غير مسبوق لعرقلة جهود الإكراه الاقتصادي ضد أعضائه، كما أن هذه الإجراءات ليست موجهة رسميًا إلى دولة معينة، ويمكن الاحتجاج بها ضد أي محاولة قسرية من خارج أوروبا، كما أن البنود الواردة في الاقتراح مشابهة لتلك التي وضعها الأوروبيون في سياق الجدل حول السيادة الاقتصادية بعد رفض واشنطن عام 2018 للاتفاق الإيراني وإعادة فرض عقوبات خارج الحدود الإقليمية.
ثانيًا، القلق من أن يؤدي الاستخدام المفرط للعقوبات إلى سعي الاقتصادات حول العالم لإيجاد نظام بديل للمعاملات الاقتصادية، كما أن العقوبات الاقتصادية في العولمة المالية خلقت سلاسل قيمة عالمية تتطلب معاملات عبر الحدود والاقتراض في كل خطوة من عملية الإنتاج، وهو ما يخلق تجمعات من كفاءات رأس المال والإنتاج حول العالم، كما أن القدرة على الوصول إلى الميسرين الرئيسيين للتجارة والاقتراض تصبح حيوية للعمليات التجارية وميزة هامة للتنمية الوطنية، وهو ما تقوم عليه العقوبات المالية الأمريكية
وفي هذا السياق، ويرى أن الغرب غير القادر على خلق مثل هذه الوسائل للتجارة، كما أن نظام "سويفت" يستمد قوته من تأثيرات الشبكة القوية، لا سيما وأن رجال الأعمال داخل الدول الآسيوية الصاعدة يستخدموا الأنظمة الغربية لأنها أكثر ملاءمة وكفاءة للقيام بذلك، كما أن الإفراط في استخدام العقوبات يعد أمرًا خطيرًا لأنه سيخلق حجة لهذه الدول من أجل البحث عن بدائل، وربما تتلاقى مع المصالح المالية الروسية والصينية واهتمامهم المتزايد بالعملات الرقمية، لا سيما وأن حظر إيران من نظام "سويفت" قاده للبحث عن بدائل، ونظرًا للحجم النسبي للاقتصاد الإيراني تم احتواء الاضطرابات بين الاقتصادات الكبرى في الشرق وشركائها التجاريين في أوروبا.
ولفت المقال إلى أن العقوبات الاقتصادية تعد شكلًا من أشكال النبذ من النظام الاقتصادي العالمي؛ إذ تعتبر الدول الغربية نفسها الحراس الشرعيين، كما أن المؤسسات المالية الكبرى مجرد كيانات غير سياسية تسعى لتحقيق الربح، هذا ويرجح المقال أن يكون الدولار الأمريكي المعادلة الأصعب من هذا النظام المتمركز حول الغرب للتغلب عليه، لا سيما وخلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008، توقع الكثير من تضاءل الدور المركزي لواشنطن في التجارة العالمية، لكن ما حدث غير ذلك، إذ أن واشنطن القوة المهيمنة على النظام العالمي.
تداعيات الأزمة الأوكرانية على العلاقات الألمانية الروسية[1]
الضوء على تداعيات الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا على السياسة الألمانية، والتي تتميز بالحذر والتوازن وبطئها في التكيف مع المتغيرات الدولية، هذا وقام المستشار الألماني "أولاف شولتز" بوضع استراتيجية للسياسة الخارجية الألمانية، ومسارًا للمواجهة الألمانية ضد روسيا، مع تحديث القوات المسلحة في برلين.
وفي وقت سابق، عقدت الجلسة الاستثنائية التي عقدها البرلمان الألماني، في 27 فبراير الجاري؛ إذ وصف المستشار الألماني الهجوم الروسي على أوكرانيا بأنه نقطة تحول، وهو ما يتطلب جهدًا قوميًا ألمانيًا للحفاظ على النظام السياسي والأمني في أوروبا، هذا واعلن "شولتز" عن إنشاء صندوق بقيمة 113 مليار دولار لدعم الجيش الألماني، فضلًا عن عزمه بإنفاق 2% من الناتج المحلي على قوات الدفاع.
وفي هذا السياق، أشارت تقارير إلى إسهامات برلين في حلف الناتو، ووجودها الرادع في ليتوانيا وإتاحة أنظمة الدفاع الجوي الألمانية للدول الأعضاء في أوروبا الشرقية، ورُغم السياسة الألمانية طويلة الأمد ضد تزويد مناطق الأزمات بالأسلحة، فإن وزارة الدفاع الألمانية قد أعلنت عن تزويد كييف بنحو 1000 نظام مضاد للدبابات و 500 سلاح ستينجر مضاد للطائرات، بالإضافة إلى تغيير الموقف الألماني ضد استبعاد البنوك الروسية من نظام التحويلات المالية "سويفت" (SWIFT)، وجاءت هذه القرارات الألمانية عقب العقوبات الاقتصادية الصارمة التي فرضها الاتحاد الأوروبي على موسكو عقب الغزو العسكري كييف.
هذا، وأن برلين ألغت أكبر مشروع روسي للطاقة، كما فرضت عقوبات ربما تسبب خسائر ألمانية، بالإضافة إلى زيادة حجم الانفاق الدفاعي الألماني، وجاءت هذه التطورات في أعقاب التصعيد الروسي ضد أوكرانيا، بعد فشل كافة الجهود الدبلوماسية التي قادتها الحكومة الألمانية لتجنب الحرب، لا سيما زيارة المستشار الألماني "شولتز" إلى موسكو، في 15 فبراير الجاري، حاول خلالها إنقاذ عملية مينسك، لكن الحكومة الألمانية كانت على علم بإغلاق موسكو للطرق الدبلوماسية لحل الأزمة.
كما أن التحالفات السياسية الجديدة في برلين ساعدت في هذه الثورة الداخلية؛ إذ يحكم حزب المستشار الألماني "شولتز" الديمقراطي الاجتماعي (SPD) مع حزب الخضر الذي تحكمه القيم، والديمقراطيون الأحرار الليبراليون، في ظل المواقف المختلفة والصارمة لهذه الأحزاب تجاه روسيا، استغل وزير الاقتصاد والمناخ الألماني "روبرت هابيك" (Robert Habeck) الأزمة الروسية كمبرر إضافي لتسريع الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة وبناء شبكة الطاقة، مع تحديد "شولتز" بحاجة ألمانيا لبناء محطتين للغاز الطبيعي المسال، للتغلب على اعتمادها على الموردين
بالإضافة إلى أن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" أقام شراكة مع برلين بشأن السياسة الروسية؛ إذ أصدر بيانًا مشتركًا مع المستشارة الألمانية السابقة "أنجيلا ميركل" في يوليو 2021 بشأن أمن الطاقة، وكلك خلال زيارة "شولتز لواشنطن؛ حيث واجه "بايدن" رد فعل عنيف من الجمهوريين وبعض الديمقراطيين، إلا أنه أدرك أن التغيير في سياسة ألمانيا تجاه روسيا يجب أن يأتي من برلين وليس ما تفرضه واشنطن.
وختامًا، تجدر الإشارة إلى وجود حقبة جديدة من منافسة القوى العظمى، لا سيما في ظل رفض بعض الدول احتكار الغرب للقوة الاقتصادية، مشيرًا إلى طرق التي يمكن استخدامها لتقويض العقوبات الاقتصادية والضغط المالي ضد خصوم واشنطن، أو حتى حلفائها الطامحين إلى ضرورة إلغاء العقوبات الاقتصادية واستخدامها كأداة ضغط أو تهديد للأمنها القومي.
كما أن الطريق أمام "شولتز" لن يكون سهلًا، في ظل التشابك الاقتصادي بين موسكو وبرلين، كما أن تقليل التبعية أمرًا مكلفًا، ومن المُرجح أن يصبح خطر التضخم وتأثير نقص الطاقة على الصناعة الألمانية عبئًا سياسيًا على ألمانيا، تسعى المعارضة استغلاله، كما أن استئصال النفوذ الروسي في السياسة الألمانية سيكون محلًا للنزاع، فضلًا عن تعزيز "شولتز" النفوذ الألماني في أوروبا ضد الممارسات الروسية لسنوات قادمة.
فضلًا عن أن حل النزاع الروسي – الأوكراني من خلال المفاوضات، قد يوفر الجهود المبذولة للحد من استخدام الأسلحة النووية، مثلما حدث في حتى أزمة الصواريخ الكوبية بعد انخراط موسكو وواشنطن في تهديدات نووية متبادلة، كما أن سياسة حافة الهاوية الموجودة اليوم في ظل الأزمة الأوكرانية يجب أن توقظ المسؤولين في واشنطن وموسكو على مخاطر التهديد النووي؛ إذ أصبحت تمثل خطرًا أكبر مما كان عليه خلال الحرب الباردة.
[1] Putin Accidentally Started a Revolution in Germany, https://foreignpolicy.com/2022/02/27/putin-war-ukraine-germany-scholz-revolution/