الدكتورة خلود محمود تكتب: السودان إلى أين؟

الدكتورة خلود محمود تكتب: السودان إلى أين؟

علي مر العصور لم تجد الحروب ثمارً طيبة مهما جِنت من مكاسب على المدي القريب، وكيف لنزاع ممنهج منظم مستمر على مدي طويل بين دول أو حتى بين كيانات بدولة واحدة أن يترك آثر مزدهر وهو في الأصل يتميز بالعنف المتطرف والفوضى الاجتماعية الملتحق بها دمار اقتصادي يقضي علي الأخضر واليابس في تلك المجتمع والدولة. فهدف الحرب الوحيد حماية مصالح الجهة المحاربة، أو توسيع دائرة نفوذها. إن دائرة السياسة أطرافها متشعبة وأحد أكثر أدواتها تدميرًا هي الحروب التي كما يقول الفيلسوف والمنظر العسكري الألماني كارل فون كلاوزفيتز عنها أنها استمرار للسياسة بوسائل أخرى.

علي صعيد المشهد العالمي ومتابعة الحروب على المدي القريب فلم تترك الحرب الروسية الاوكرانية إلا خسائر فادحة طال مداها العالم أجمع من مشرقها لمغربها انسانياً واقتصادياً.

أما عن عالمنا العربي فلم تشهد المناطق والبلاد التي طالتها الحروب ازدهار من وقتها بدء من سوريا، ليبيا، اليمن التي اخيراً وبعد انتظار تحقق صمت المدافع فيها بعد ثمانية أعوام عسيرة تنفس أخيراً اليمنيون. وتابعنا عبر القنوات التلفزيونية عمليات تبادل الأسرى وعودتهم إلى أهاليهم لتكتمل فرحة العيد لأسرهم، ولم تمر إلا ساعات قليلة ونزل كالصاعقة علينا خبر الحرب في السودان كان الله في عون أهل السودان مما يحدث هناك الآن.

إن الصراع على السلطة كان وراء الحرب بعد أن وصل الحوار بين الفرقاء إلى طريق مسدود ككل الحروب من السهل جداً فتح غطاء الزجاجة لينفلت الجنّي المسجون من حبسه، لكن من الصعوبة بمكان رده إليها وإقفالها عليه ولا أحد بمستطاعه معرفه كم ستطول الحرب كما ليس بمقدور أحد التكهن بالاتجاه الذي ستأخذه شرارات نيرانها المهلكة.

إن الحرب الأهلية السودانية، مثل الحرب الأهلية الليبية، ومثل الحرب الأهلية اليمنية، ومثل الحرب الأهلية السورية، لن تكون أهلية، كما يردد المعلقون في وسائل الإعلام، ولن تقتصر تداعياتها السلبية المهلكة على السودان فقط وأن تجربة الحروب الأهلية العربية منذ عام ٢٠١١ خير شاهد ودليل؛ وستشهد الدول المجاورة قريباً موجات نزوح وهجرة غير شرعية، وأفواج الهاربين على قوارب الموت إلى أوروبا سوف تتصاعد، وسنشاهد علي منصات التواصل الاجتماعي والقنوات الاخبارية مسلسلات حروب أهلية عربية ولن يكون هناك رابح سوى تجار السلاح، وتجار تهريب المخدرات، وتجار تهريب البشر ،ووعود بالديمقراطية الموعودة بعودة الحكم المدني ستنتهي مطمورة في مقابر الضحايا .

إن جبهتي الحرب في السودان وهما الجيش الرسمي بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو (حميدتي) لن تصمد إلا بانتصار طرف على الآخر في انعدام تام للتفكير بحال السودان ووضع أهله.

ورغم كل محاولة الوساطات والتدخّلات في الحد من ضراوة المعارك فلم تنجح في الحد من الحرب أو ايقافها بل زادت وتوسّعت لتشمل أجزاء كبيرة من السودان، ما يوحي بأن مثل هذه المعارك ليست مجرّد مناوشات على غرار ما كان يشهده السودان في مراحل كثيرة، فهذه هي الحرب الأهلية السودانية الثالثة بعد الحرب الأهلية الأولي والتي تعرف بتمرد أنانيا عام  ١٩٥٥م، والتي استمرت لعام ١٩٧٢م  بالجزء الشمالي من السودان والجنوبي وطالبت بمزيد من الحكم الذاتي الإقليمي ، والحرب الأهلية السودانية الثانية والتي بدأت عام ١٩٨٣م درات معظمها في الأجزاء الجنوبية، وتعتبر إحدى أطول وأعنف الحروب في القرن وراح ضحيتها ما يقارب ١٫٩مليون من المدنيين، ونزح أكثر من ٤ ملايين منذ بدء الحرب وانتهى الصراع رسميا مع توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام في يناير ٢٠٠٥ واقتسام السلطة والثروة بين حكومة رئيس السودان عمر البشير وبين قائد قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان جوان قرنق ، وها هي الأن قد بدأت الحرب الاهلية الثالثة ولا احد يعرف كيف ستنتهي وماذا سيحل بالسودان ؟