تداعيات التغيرات المناخية على الأمن المائي

اعداد: رحاب أيمن حسين - باحثة مهتمة بالمناخ
إن موضوع المياه وأزمة المياه في العالم على جانب كبير من الأهمية، وقد فرغت العديد من الجامعات أساتذة متخصصون لعمل دراسات مستقبلية نظرا لخطورة الموقف خلال الخمسين سنة القادمة، والحروب التي قد تحدث بسبب المياه، حتى سموها حرب المستقبل، ومن ينظر بعمق في مسيرة الحضارات الإنسانية القديمة يلاحظ أن معظمها نشأ بالقرب من ضفاف الأنهار أو مصادر المياه بصورة عامة، حيث شكلت المياه دورا مهما في مسيرة الحياة الإنسانية وظهور الحضارات وتقدمها.
وإذا ما نظرنا إلى وضع المياه في العالم نلاحظ أن حوالي 80% من سطح الأرض تغطيه المياه، إما المياه العذبة الموجودة في باطن الأنهار والبحيرات الصالحة للاستخدام البشري لا تزيد عن 1%.
والقضية التي نحن بصددها هي موضوع الصراعات القادمة في العالم حول المياه ومنابعها، وبالتالي موضوع الأمن المائي لكل أمة من الأمم في الخمسين سنة القادمة، ولا شك أن الأزمات المائية المتوقعة ستكون من عوامل الخطر الذي يتوقع العلماء أن يقود إلى حروب، لأن الأزمة المائية تعرف بأنها الخلل الذي يحدث في التوازن بين الموارد المائية المتجددة والمتاحة مقارنة بالطلب المتزايد والذي يتمثل في ظهور عجز في الميزان المائي ويطلق عليه (الفجوة المائية)، وقد اتفق على أن أي بلد يقل متوسط نصيب الفرد فيه من المياه سنويا عن (1000ـ 2000) م3 يعتبر بلدا يعاني من ندرة مائية.
وفيما يخص بلادنا العربية فإن هناك 13 بلدا عربيا يقع ضمن فئة البلدان ذات الندرة المائية وهذه البلدان هي دول مجلس التعاون الخليجي (عمان، الإمارات، قطر، البحرين، الكويت، السعودية) ودول المغرب العربي (ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانا) بالإضافة للأردن وفلسطين، ونلاحظ أن الندرة المائية آخذة في التفاقم بسبب معدلات النمو السكاني العالية إذا ما قارنا متوسط نصيب الفرد في عام 1960 البالغ 3430م3 ومتوسط نصيبه في سنة 2025 الذي سيبلغ 667م3 أي بنسبة انخفاض تصل إلى 80%، وبطبيعة الحال فإن هذا يدفعنا إلى القاء نظرة على معدل الموارد المائية المتجددة في الوطن العربي الذي يبلغ 350 مليار م3، وتغطى نسبة 35% منها عن طريق الأنهار القادمة من خارج المنطقة إذ يأتي عن طريق نهر النيل 56 مليار متر مكعب، وعن طريق نهر الفرات 25 مليار م3 أما نهر دجلة فإنه يضخ 38م3.
مفهوم الأمن المائي:
الأمن المائي هو عبارة عن كميّة المياه الجيّدة والصالحة للاستخدام البشري المُتوافرة بشكلٍ يُلبّي الاحتياجات المختلفة كماً ونوعاً، مع ضمان استمرار هذه الكفاية دون تأثير، ويُمكن تحقيق ذلك من خلال حسن استخدام الموارد المتاحة من المياه، وتطوير أدوات وأساليب هذا الاستخدام، بالإضافة إلى تَنمية موارد المياه الحالية، ثمّ البحث عن موارد جديدة. من جانب آخر يرتبط مفهوم الأمن المائي، بمفهوم الأمن الغذائي، فكلاهما يؤدّيان إلى بعضهما البعض، بكون الماء هو في الأساس غذاء، ونقص كميّات المياه الصّالحة لاستِخدام البَشر يؤدّي إلى الإضرار بالأمن الغذائي، ثم الأمن القومي للدّول، نتيجة اعتِماد الأفراد والمؤسّسات على المِياه في جميع الأعمَال.
مفهوم التغير المناخي:
التغير المناخي هو اضطراب في مناخ الأرض مع ارتفاع في درجة حرارة الكوكب، وتغير كبير في طبيعة الظواهر الطبيعية مع نزعة إلى العنف، وتدهور مستمر للغطاء النباتي وللتنوع البيئي.
تجد ظاهرة الاضطراب المناخي تفسيرها لدى عدد من العلماء في ارتفاع حرارة المحيطات والغلاف الجوي على المستوى العالمي وعلى مدى سنوات مديدة. وترجع أغلب الدراسات المنجزة في هذا المقام ظاهرة التغيرات المناخية إلى جملة من العوامل أبرزها النشاط الصناعي وما يخلفه من غازات سامة تتكدس في الغلاف الجوي، مؤثرة بشكل حاد على انتظام حرارة الأرض وتعاقب وتوازن الظواهر البيئية.
أثر التغير المناخي على وفرة المياه:
ستحدث للتغييرات المناخية تأثيرات كبيرة على الأنظمة البيئية وسبل الحياة والتنمية في العالم وذلك من خلال التغيرات في الأنماط الجوية سواء اليومية منها أو الموسمية أو السنوية وذلك عبر الظواهر والأحداث الغير مألوفة وخصوصا التغيرات على درجات الحرارة وكميات هطول الإمطار ومستويات سطح البحر وتقلبات المد والجزر بالإضافة إلى حدوث العواصف والفيضانات والجفاف وتكون هذه التغيرات متفاوتة في شدتها من بلد إلى آخر.
تظهر الدراسات والتقارير في بعض الدول زيادة في معدل درجات الحرارة وسقوط الأمطار السنوية، كما تظهر زيادة في منسوب البحار وتكرار حدوث العواصف المؤثرة على الاستقرار والحياة والأنظمة الطبيعية حيث ويلاحظ حدوث ذلك غالبا في مناطق مصبات الأنهار والمناطق الساحلية.
هناك عدة إجراءات عملية بالإمكان اتخاذها استعدادا لحدوث أية تغيرات مناخية وبإمكان حث صانعي القرار أيضا لعمل خطوات معينة للتخفيف والتكيف استعدادا لهذه التغيرات. تعتبر كيفية استغلالنا لموارد المياه والطاقة من أهم الإجراءات الواجب اتخاذها حيث سيؤدي تحسين إدارتنا للماء والطاقة إلى تحضيرنا لنكون قادرين على التكيف مستقبلا. إن فهم ومعرفة مواردنا المائية المتوفرة ومصادرها وطرق إدارتها سيؤدي إلى إتباع أساليب مستدامة لاستغلال المياه وتوفير أنظمة توزيع مائية أكثر مرونة وكفاءة وبالتالي الاستثمار الأمثل في البنية التحتية لاستخدامها وذلك بهدف تحسين إمكانية الحصول على الماء وتقليل مخاطر التغير المناخي.
تشمل التغييرات الرئيسية في دورة المياه في الطبيعة (الدورة الهيدرولوجية) نتيجة للتغير المناخي ما يلي:
● التغيرات في التوزيع الموسمي وكمية هطول الأمطار.
● زيادة في كثافة هطول الأمطار في معظم الحالات.
● التغيرات في التوازن بين الثلج والمطر.
● زيادة التبخر وانخفاض في رطوبة التربة.
● التغيرات في الغطاء النباتي الناتج عن التغيرات في درجات الحرارة وهطول الأمطار.
● التغيرات اللاحقة في إدارة موارد الأراضي.
● ذوبان الجليد المتسارع.
● زيادة غمر المناطق الساحلية وفقدان الأراضي الرطبة من ارتفاع مستوى سطح البحر.
أخطار جمة في الطريق:
ثمة خطر إضافي يحدق بالأمن المائي، يأتي من تغيّر المناخ؛ إذ يشهد العالم احترارًا لم يسبق له مثيل، وتزيد درجات الحرارة الآن بنحو 0.5 درجة مئوية عن معدلاتها المتوسطة خلال الفترة ما بين 1961-1990. وحقًّا أثر تغيّر المناخ على موارد المياه في جميع أنحاء العالم. وأفضى -على سبيل المثال-إلى زيادة متوسط مستوى سطح البحر بمعدل 1.75 ملم سنويا خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وتسبب في انحسار واسع النطاق للأنهار الجليدية غير القطبية، مما قلّص تدفق المياه في فصل الجفاف، وزيادة درجات حرارة البحيرات والبحار.